ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن سيدنا نوح هو أول رسول بُعث في الأرض وهو من نسل سيدنا آدم عليه السلام، هو الذي جاء بعده بعشرة قرون نبيًا ورسولًا من عِند الله، ثم بعد ذلك انتشرت عبادة الأصنام والأوثان بين الناس، ثم قام سيدنا نوح بدعوة قومه للتوحيد وأن يتوجهوا إلى عبادة الله، وترك عبادة الأصنام.
قصة سيدنا نوح عليه السلام
بعث الله سيدنا نوح عليه السلام إلى قومه، بعد أن ظهر فيهم الضلال والجحود بالله فكان عليه السلام، أول رسول يرسل به الله إلى الأرض.
وقد جاء عن ابن جبير وغيره بأن قوم نوح كان اسمهم بني راسب، وكانت هذه بداية عهد قوم نوح بالجحود بالله، حينما كانوا يعبدون الأصنام والذي قد بناها من قبلهم من الأجيال لرجال صالحين منهم حتى يخلدوا ذكراهم بعد وفاتهم، وبقت تلك الأنصاب فترة زمنية لا تعبد، حتى إذا هلك هذا الجيل اتخذوها الناس أصنام يقوموا بعبادتها من دون الله، قال الله تعالى-:
( وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا )، فبعث الله فيهم نوحًا رسولاً ونبيًا.
دعوة سيدنا نوح
من انبياء الله سيدنا نوح عليه السلام ومثله مثل باقي الانبياء، عند بعثهم بالرسالة يدعون إلى الإيمان بالله تعالى، فدعى سيدنا نوح قومه إلى الإيمان بالله تعالى والتوحيد بالله.
أي إفراد العبادة لله وتحدث معهم عن فائدة إطاعة أمر الله وغفران ذنوبهم، قال الله تعالى على لسان سيدنا نوح:
(يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ) وترك معاقبتهم إلى أن يحين أجلهم الذى كتبه الله لهم (وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى).
وقد دعا سيدنا نوح عليه السلام قومه باستخدام الكثير من الطرق، حتى يؤمنوا بالله واليوم الآخر، قال الله تعالى: عن لسان سيدنا نوح عليه السلام: (قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا* فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا*وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا).
وفي هذه الآية الكريمة وصف لحال قوم سيدنا نوح عليه السلام، حينما كان يدعوهم سيدنا نوح إلى الإيمان، حيث كانوا يهربون منه، ويضعون أصابعهم في آذانهم حتى لا يصل لهم كلامه، وكانوا أيضًا يغطون أنفسهم بملابسهم دليل على إصرارهم للجحود، ومتكبرين في عنادهم.
دعا سيدنا نوح عليه السلام قومه في السر فيما بينه وبينهم، ثم بعد ذلك قام بدعوتهم علنًا بصوت عالي وقام بأمرهم بالاستغفار لله تعالى وذكرهم بعاقبة التائبين المستغفرين، حين يُرسل الله عليهم السماء متوالية بالرزق الوفير، ويقوم بمدهم بالأموال، والبنين، حتى تصبح أرضهم جنات، وأنهار، قال تعالى(ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا*ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا*فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا*يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا)، ثم ذَكر سيدنا نوح عليه السلام قومه.
بعظمة الله التي تتجلى في خلق الإنسان أطوارًا، حيث يبدأ خلقه من نطفة، ثم علقة، ثم مُضغه، ثم يخلق الله عز وجل العظام، ثم يكسوها لحمًا، وقد قابل قوم نوح الدعوة التي يدعوا لها بالعصيان، والمخالفة.
وإصرارهم على ما فيهم من جحود وضلال، ومكروا لسيدنا نوح عليه السلام مكرًا كبيرًا وعندما يأس سيدنا نوح من دعوة قومه، قام بالدعاء عليهم ومن دعائه ما جاء في قوله تعالى: عن لسان سيدنا نوح عليه السلام: وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا).
أي أن يكون الله سبحانه وتعالى بالطبع على قلوبهم بضلالهم فلا يهتدوا إلى الحق، ثم قال تعالى:: (وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا * إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا).
وأكدت قصة سيدنا نوح عليه السلام، على أن النسب والرابطة الزوجية والقرابة لا تشفع عن صاحبه، الذي يُصر على الكفر بالله تعالى والصد عن سبيل الله فقد ضرب الله عز وجل، في كتابه العزيز.
مثلاً للذين كفروا فقال: (ضَرَبَ اللَّـهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّـهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ).
وكانت إمرأة نوح وإمرأة لوط في عصمة نبيين صالحين، من عباد الله وكانت عائلة قوم نوح- عليه السلام – تعين قومها على زوجها، حينما كانت تتهمه بالجنون، أنها كانت لم تؤمن بدعوته.
فكان ذلك الأمر بسبب خيانه لزوجها، ولذلك حُق عليها العذاب من عند الله- تعالى- مع من كفر من قوم نوح، وذلك لم تنفعها رابطة زوجية مع رجل كانت مكانته عاليه عند ربه في دفع العذاب عنها، فكل إنسان مسؤول عن نفسه أمام ربه.
سفينة سيدنا نوح المعجزة
وتوجد عند الله- تعالى- معجزات على أيدي أنبيائه ورسله تدعيم لهم في دعواهم أمام أقوامهم، والمعجزة هي أمر خارق للعادة، تخترق قوانين الكون، وتجري بغير ما ألفته النفوس، وتكون المعجزة مقترنة بالتحدي.
ويمكن استحاله معارضتها بالإتيان بمثلها وكانت هى معجزة سيدنا نوح- عليه السلام، حيث أوحى الله أن يصنعها، حتى إذا جاء أمر الله، وفار التنور الذي كان مصنوعاً من الحجارة.
عالماً بأن الله جعل فوران الماء من العلامات على مجئ أمره، وقد أمر الله تعالى سيدنا نوح على أن يحمل على السفينة، من كل زوجين أثنين ذكر وأنثى ولم نثبت عدد الذين حُملوا على السفينة.
في السنة والكتاب ثم أبحرت سفينة سيدنا نوح عليه السلام بهم عبر المياه العالية تقوم بدفعها الرياح الشديدة العتية، مُشكلة في ذلك ما يشبه الجبال في علوها وعظمتها وروي عن ابن كثير أن طول الماء وصل 15 زراعًا كما قيل، عن أهل السنة بينما ورد في رواية أخرى 80 زراعًا.
ويشار إلى أن سفينة سيدنا نوح عليه السلام، كانت مصنوعة من الأخشاب، قال تعالى: (وَحَمَلْنَاهُ عَلَىٰ ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ) وقد بدأ سيدنا نوح عليه السلام بصناعة السفينة بأمر من الله عز وجل له.
حيث قام بجلب الأخشاب، وقام بصناعة مادتها من الألواح ثم قام بوضع الألواح بجانب بعض وبدأ بتثبيتها بالدسر، ألا وهي المسامير وكان قوم سيدنا نوح كلما مروا عليه يسخرون منه لصنعه للسفينة، على اليابسة وقال الله تعالى: وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ ۚ قَالَ إِن تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ).
من الجدير بالذكر أن زوجة سيدنا نوح عليه السلام وابنه، كان ممن رفضوا دخول السفينة بسبب عصيانهم وكُفرهم لنبيهم، حيث قام نوح عليه السلام بدعوة ابنه إلى الركوب.
قبل أن تُبحر في المياه وكانت دعوته إلى ابنه، لعدم يقينه أن ابنه لم يكون من الكافرين الذين كتب عليهم الله الغرق في الطوفان، توقعًا لرجوعه عن الكفر وقيل إنه كان يتمنى أن ابنه يتراجع عمن كان فيه.
ويقوم بالحاق بهم في السفينة، ويقوم بترك الكافرين ورفض نداء أبيه بالانضمام إليه، ولجأ إلى المعزل الذي أعتقد أنه سوف يحميه ويبعده عن الطوفان بعيد عن أهل الإيمان.
معتقد إنه المنجى له إلا أنه عاصم، من أمر الله في هذا الوقت الصعب سوى من كتب الله له النجاة، برحمة من الله.
عقوبة قوم نوح
كانت عقوبة قوم سيدنا نوح الذين كفروا الغرق بالطوفان، بسبب خطاياهم، ثم عقوبة النار في الآخرة، قال تعالى ( مِّمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ أَنصَارًا )،[١٩][٦] وبعد أن نجّى سيدنا نوحاً ومن معه.
ونتمنى أن نكون قد أفدناكم بقصة سيدنا نوح، بدعوته، و المعجزة التي قام بها.